هل تشعر أنك مواطن في بلدك مصر.. لعل هذا التساؤل هو أول ما يطرأ على تفكير كل من يتابع الحديث الدائر عن قانون المواطنة الذي تطالب المنظمات المدنية وخبراء السياسة بإقراره في مصر، لكن الملاحظة الأبرز أنه في ظاهره يسعى لتحسين أوضاع الأقباط فقط، دون الالتفات إلى أن الكل في مصر مسلمين ومسيحيين يحتاجون للتعامل كمواطنين.
وعلى هامش هذه المعضلة، أجمع المشاركون في ندوة "الإطار القانوني والديني لدعم حق المواطنة للمصريين" التي نظمتها المنظمة المصرية لحقوق الإنسان على ضرورة سن قانون للمواطنة بهدف ترجمة مبدأ المواطنة المنصوص عليه في المادة الأولى في الدستور المصري إلى تشريعات وقوانين ، على أن تشكل لجنة قومية متخصصة تضم ممثلين رسميين في الإعلام والتعليم والأوقاف والأمن وممثلين عن الكنيسة والأزهر والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني.
وأضافوا أن هذه اللجنة تضطلع بشئون المواطنة، وتعد تقرير وطني حول الأحداث الطائفية منذ أحداث الخانكة إلى أحداث نجع حمادي الأخيرة، ويتضمن التقرير مسببات هذه الأحداث والحلول العملية للقضاء على عوارض الخلافات الطائفية والمذهبية التي تظهر من حين لآخر، وأية مشكلات مستجدة قد تنشب بين المسلمين والمسيحيين.
وأكد حافظ أبو سعده الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن هناك تصاعد في التوترات الطائفية ، وهذا يجعلنا لا ننظر إلى أن الموضوع كأنه أمراً فرديا ، فالأحداث الطائفية تأتي نتيجة مجموعة من الأسباب 50 % منها يرجع إلى مسألة بناء الكنائس ، فضلا عن قضايا أخرى مثل الزواج والطلاق،والدور المتشدد لرجال الدين على الجانبين المسيحي والمسلم ، متسائلاً أين رجال الدين المتسامحين في هذه الأزمات؟!!.
وأشار أبو سعده إلى أنه لمواجهة أحداث التوتر الطائفي لابد من توافر إرادة سياسية واعية تتفاعل فيها كافة مؤسسات الدولة وعلى رأسها وزارة الأوقاف ومؤسسة الأزهر ووزارة التربية والتعليم ووزارة الإعلام ووزارة الداخلية مع الكنيسة والمجتمع المدني والأحزاب السياسية للعمل على رسم خطط مرحلية مُلحة وخطط إستراتيجية طويلة المدى لإنقاذ الوطن من مغبة مثل هذه الأحداث.
وطالب أبو سعده بضرورة وجود نظام انتخابي يعكس إرادة الناخبين وتمثليهم داخل البرلمان ، وكذلك الوظائف العليا لابد أن تكون تنافسية وذلك للحفاظ على الوحدة وعدم تفتيت الدولة على أساس ديني أو عرقي ، و وضع قواعد جديدة تصمن المساواة بين المصريين في بناء دور العبادة على أساس المواطنة كأساس للحقوق والواجبات وفق معايير محددة تلبي احتياجات المواطنين الروحية فقط وليست التي تتم في إطار التنافس الديني، إذا حددنا مثلاً دور عبادة لكل عدد محدد من المواطنين من المنتمين لدين،يمكن أن يكون معياراً ويمكن طبعاً الاتفاق على معايير أخرى المهم العدالة والمساواة ، فلا أحد فوق القانون ولا تمييز بين المواطنين على أي أساس، فحقوق الإنسان للجميع هي الحل.
من جانبه ، قال جورج إسحاق المنسق العام السابق لحركة كفاية أن المواطنة ليست فقط مجموعة من النصوص والمواد القانونية التي تثبت مجموعة من الحقوق لأعضاء جماعة معينة كما قد يعكسه دستور هذه الجماعة وقوانينها، بل يشترط أيضا وعي الإنسان داخل هذه الجماعة بأنه مواطن أصيل في بلاده وليس مجرد مقيم يخضع لنظام معين دون أن يشارك في صنع القرارات داخل هذا النظام.
حافظ ابو سعدة
فالوعي بالمواطنة يعتبر نقطة البدء الأساسية في تشكيل نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى بلاده وإلى شركائه في صفة المواطنة، مشيراً إلى أن ممارسة المواطنة كنشاط داخل المجتمع لا تتم بشكل عرضي أو مرحلي كما هو الحال بالنسبة للانتخابات، بل هي عملية تتم بشكل منتظم ومتواصل وبطرق صغيرة وعديدة وبتفاصيل لا تعد، هي جزء من نسيج حياتنا اليومية، لهذا فالوعي بالمواطنة وممارستها يتطلب التربية على ثقافة المواطنة بكل ما تحمله من قيم وما تحتاجه من مهارات.
وأكد إسحاق أن الأحداث التي وقعت في نجع حمادي ترجع إلى الأسس العامة الحاكمة ، فهناك مناخ سياسي عام سيئ وغياب الديمقراطية الحقيقية تؤدي إلى حالة من الاحتقان الطائفي بامتياز وليس هناك قبول للأخر ، مطالباً بضرورة تعليم الجيل القادم تذويب فكرة الآخر ، لأن المدارس باتت مدارس دينية، ويرجع ذلك إلى افتقاد وزارة التربية والتعليم لدورها ، والفصل بين الدين والسياسية ، فالكنسية لابد أن تلعب دور روحي وليس سياسي ، وتفعيل مبدأ المواطنة، وفي ذات الوقت ينبغي إبعاد الفضائيات عن السجال الديني الذي مجاله الحقيقي هو أماكن العبادة.
بدوره ، أعرب الدكتور أكرم لمعي أستاذ مقارنة الأديان واللاهوت بأن الفتنة الطائفية في كل مرة تكون أسوء، ففي كل مرة تظهر الدولة والمؤسسات الدينية غير راضية عن الوضع ، فمنذ عام 1967 بدأت فكرة المواطنة في الانهيار وذلك بادعاء أننا عندما تركنا الدين انهزمنا.
وأكد لمعي أن الفتنة الطائفية سببها ازدواج الخطاب الديني فهناك فرق بين الخطاب الذي يقال في الغرف المغلقة وفي حفلات الإفطار ولقاءات البابا شنودة وشيخ الأزهر ، معرباً أن هذا الأمر ناتج بشكل عن سوء المناهج الدراسية وخصوصا بعد رجوع رجال الدين من دول الخليج، منتقداً سياسة الدولة في التعامل مع مشاكل الفتنة الطائفية سواء بالإنكار أو الادعاء وكونها حوادث فردية.
وطالب أستاذ مقارنة الأديان بضرورة وضع إستراتيجية لتفادي الموقف فلا نضع الأخوان أمام الأقباط، بل ينبغي التأكيد على جانب الجدية في حل هذه المشاكل سواء من جانب الدولة أو الأزهر أو الأحزاب ، وطرح حلول غير تقليدية لفرض سيادة القانون من جانب الدولة ، وإقرار الدولة بعض القوانين بصورة عاجلة، ووضع حد للفضائيات التي تغذي الفتنة الطائفية ومسؤوليتها عن ذلك ، وتفعيل ميثاق الشرف الصحفي والإعلامي ، ووضع قانون لبناء الكنائس ، ومراجعة المناهج التعليمية ووضع برامج تلفزيونية توضح ما هي المسيحية وتقيم المؤسسات الكنسية في وضع حد للفتنة الطائفية.
وأكد أحمد أبو بركة عضو مجلس الشعب أنه لا تناقض بين مدنية الدولة ومرجعية الإسلام، موضحًا أن تاريخ الدولة الإسلامية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم يظهر اعتمادها على كل المبادئ الخاصة بحقوق الإنسان.قائلاً “إن الإسلام دين شامل لكافة مناحي الحياة، واستفادت من مبادئه تشريعات الدنيا كلها".
جورج اسحاق
وأرجع أبو بركة حوادث العنف المتكررة في المجتمع المصري إلى الفساد والاستبداد السياسي الذي يمارسه النظام وعدم احترامه للدستور والقانون؛ الأمر الذي أنتج مؤسسات ضعيفة فارغة في جوهرها وتفتقد استقلالها، ومنها المؤسسة الدينية.مؤكداً أن إصدار مجلس الشعب لعشرات القوانين في ظل هيمنة حزب واحد واحتكاره للسلطة ستكون دون جدوى، مشددًا على أهمية وجود تكافؤ في الفرص وممارسة الحقوق؛ حتى نستطيع تجنب حالات الاحتقان المتكررة.
ونفى أبو بركة اتهامات بعض المشاركين بأن الإخوان يريدون إقصاء المرأة والأقباط من المجتمع وصبغ مصر بصبغة دينية، مؤكدًا أن احترام المسلمين وتقديرهم لغير المسلمين، ما لم يعتدوا عليهم، أمرٌ ثابتٌ في عقيدتهم.قائلاً “إن الشعب المصري لو اجتمع في انتخابات حرة ونزيهة على اختيار رئيس مسيحي فسوف يقبله الإخوان بلا شك، لأنه جاء تطبيقًا لإرادة الشعب".
وأكد الباحث القبطي سمير مرقص أن هناك امتداد لظاهرة الفتنة الطائفية منذ عام 1972 ويتضاعف معدل حدوثها في الفترات الأخيرة بشكل لا مثيل له ، فهناك أربع مراحل أساسية لما أسميته النزاع الديني في مصر ، المرحلة الأولى : بدأت مع نهاية 1969 حتى عام 1970 وهي مرحلة ضرب الجماعة الإسلامية المسلحة للأقباط والكنسية في مصر وهناك 11 واقعة في هذه المرحلة قبل أحداث الخانكة.
وهذه الأحداث كانت مرفوضة من الجانب الإسلامي والمسيحي على حد سواء ، المرحلة الثانية وهي المرحلة من السبعينات حتى عام 2000 وكان معدل الحوادث حوالي حادثة كل عام وكانت تتسم بشكل عام بعزلة الأقباط وهذا أدخل في مرحلة الاحتقان نتيجة التراكم، وفي المرحلة الثالثة وهي الممتدة من عام 2000 حتى عام 2004 و هي مرحلة بناء الكنائس والتبشير الديني والرقابة على الكتب الدينية وتوسع المشكلة على القنوات الفضائية والنت دون حل متواصل ، والمرحلة الرابعة وهي منذ عام 2007 وهي حادثة العياط وبنها وبلغت ذروتها في نجع حمادي.
ووصف مرقص المرحلة الرابعة التي نعيشها الآن مرحلة التناحر القاعدي بين المواطنين ، إذ تتكرر أحداث العنف الطائفي بشكل دائم، وسمة تلك المرحلة التي تكشف عن مدي خطورتها هو أن الأحداث تتعلق بأن من يقوم بتلك الحوادث هم مواطنون عاديون وليسوا جماعات إسلامية كما كان في السبعينيات، والآن أصبح المواطن العادي يشتبك مع آخر علي أسس دينية، وهذا ما كشفت عنه أحداث نجع حمادي.. وهذا هو دلالة الحدث أن شكله وطبيعته جديدة وهذه مسألة خطيرة جداً.
وأشار مرقص أن الجميع مسئول بشكل أو بأخر عن تصاعد معدلات الأحداث الطائفية في المجتمع المصري ، مطالباً بإعادة النظر في الأفكار والإجراءات الحاسمة ونتحدث عن مقومات الدولة الحديثة التي بدأت منذ عهد محمد على ، فهناك إفراط في مقومات الدولة الحديثة القائمة على المؤسسات ، فلا يجب أن يترك القانون ويتجه إلى جلسات العرف.
وفي ختام الحلقة النقاشية ، أوصى المشاركون بإصدار قانون موحد لدور العبادة ، مع ضرورة وضع قواعد موحدة لبناء دور العبادة تعتمد على مجموعة من المعايير منها على سبيل المثال الكثافة السكانية والتوزيع الجغرافي، و قيام رجال الدين المسلمين والمسيحيين بتجديد الخطاب الديني بهدف نشر ثقافة التسامح بين صفوف المواطنين كافة ونبذ الخطاب المتعصب، وضرورة أن يحترم كل طرف دين الآخر.
وتعقد جلسات حوار ومناقشة دائمة ومستمرة وعلانية بين الطرفين للوقوف على الخلافات الطائفية التي تظهر بين حين وآخر لتقويمها والاعتراف بالأخطاء ، وتحريم مهاجمة الأديان إعمالاً لنصوص حقوق الإنسان الخاصة بالحفاظ على حرية الفكر والاعتقاد الواردة في الدستور المصري والمواثيق الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي صادقت عليها الحكومة المصرية وأصبحت جزء لا يتجزأ من قانونها الداخلي وفقاً للمادة 151 من الدستور، وتعديل المناهج الدراسية ولاسيما مناهج التربية الدينية لتقوم بتربية النشء على تقبل الآخر والتعايش معه.